هل تعرفون معنى كلمة المُزماة؟ هي كلمة تشير إلى سلة من الخوص كان يستخدمها الغواصون لجمع اللؤلؤ من مياه الخليج، وأصل المزماة من زم، والزم هو الجمع والجذب والشد والاحتواء، لذلك قالت السيدة هاجر بعد ان انفجر الماء من تحت قدمي وليدها «اسماعيل» زمي زمي، أي اجتمع أيها الماء ولا تتفرق، أما المزماة التي أتحدث عنها فهي مركز بحثي متخصص في شؤون ما يسمى بالإسلام السياسي، وقد أخذ هذا المركز مكانته في الإمارات العربية ثم في الخليج بأسره وها هو يشق طريقه ليكون أحد أكبر المراكز البحثية في العالم العربي.
كانت المرة الأولى التي تعرفت فيها على المزماة عندما ذهبت إلى الإمارات محاضرا في إحدى جامعاتها، وهناك تعرفت على الدكتور سالم حميد أحد كبار الكتاب والباحثين الإماراتيين، وصاحب مركز المزماة للدراسات والبحوث، وكان ان جمعتنا جلسات حوارية جادة اشترك معنا فيها مجموعة من أكبر الكتاب والأدباء العرب تحدثنا فيها عن الهم الذي أصاب الأمة العربية، وأخذ كل واحد منا يدلي بدلوه تشخيصا للأوجاع والترهلات والنكبات، ما هو موضع الداء وما هي أسبابه؟.
وكان من البديهي أن نتطرق للجماعات الأصولية المتطرفة وأن نستفيض في محاكمة الخطاب الديني الذي قدمته لنا جماعة الإخوان عبر العقود الماضية منذ انشائها وحتى الآن، والتطورات الفكرية والحركية التي مرت عليها، وذلك بحسب ان جماعة الإخوان هي الرائد لكل الجماعات والحركات التي نسبت نفسها للإسلام في العصر الحديث، فكلهم خرج من تحت معطف الإخوان، وكلهم تأثر بشكل أو بآخر بحسن البنا ثم بسيد قطب الذي كتب مانفيستو الحركات المتشددة متمثلا في كتابه معالم في الطريق، وامتد بنا الحديث حتى دخلنا إلى عالم الشيعة وإيران، وهنا سألني الكاتب الإماراتي الكبير الدكتور سالم حميد: هل ثمة علاقة بين أئمة الشيعة وجماعة الإخوان؟.
سكت دقيقة، وفي هذه الدقيقة أخذتني الذكريات إلى أزمنة ماضية حيث وقعت تحت يدي ورقة أذهلتني حين قرأتها، كانت مختبئة في أحد دهاليز الجماعة دون ان يلتفت اليها أحد أو يشعر بقيمتها التاريخية، كانت هذه الورقة تحتوي على خبر زيارة لمقر الإخوان في مصر قام بها سيد روح الله مصطفى الموسوي الخميني عام 1938، وتشير هذه الورقة إلى ان ثمة لقاء خاصاً تم بين المرشد الأول للجماعة الأستاذ حسن البنا والسيد روح الله مصطفى الخميني الذي أصبح فيما بعد الامام آية الله الخميني مفجر الثورة الإيرانية، ولكن مما يؤسف له ان أحدا من الذين عاصروا هذه الواقعة لم يدوِّن أحداثها ووقائعها، على الرغم من ان زيارات أخرى قامت بها شخصيات شيعية شهيرة لمقر الإخوان بمنطقة الدرب الأحمر وصلت الينا أخبارها وبعض تفصيلاتها، مثل رجل الدين الشيعي تقي الدين القمي الذي تواصل مع حسن البنا وأنشأ معه دارا للتقريب بين السنة والشيعة.
كان الكثير من أخبار العلاقة بين الإخوان وأئمة الشيعة عندي، وكنت أنتظر اللحظة المناسبة كي أكتب كتابا أو بحثا عن هذه العلاقة، وهل كانت هذه العلاقة تعود بالنفع على الأمة أو تعود بالضرر، وقتها لم يكن قد تكون لديَّ رأي قاطع في هذا العلاقة سلبا أو ايجابا، ولكنني أدليت في الجلسة الحوارية برأيي وقلت إنه ينقصه البحث المتعمق الذي يسبر غور هذه العلاقة، وبعد ان انتهت الجلسة أسر الدكتور سالم في أذني بأنه يرغب في ان يكون بحثي هذا – ان كتبته – من مطبوعات مركز المزماة فوعدته وان كنت قد قلت له: وقد لا أكتب في هذا الموضوع على الاطلاق، فأنا أريد ان أتطرق لموضوعات أخرى تتعلق بنقد الخطاب الديني ورسم ملامح لخطاب ديني جديد يستلهم القيم العليا للإسلام مثل الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، وانتهت أيام المحاضرات وعدت إلى مصر.
وبعد أيام تصادف ان جاء إلى مكتبي صديق من أصدقائي المهتمين بالبحث عن الكتب والمجلات القديمة وأهداني مجلة قديمة كتب فيها الشيخ محب الدين الخطيب – أستاذ حسن البنا وشيخه – مقالا هاجم فيه حسن البنا هجوما شديدا لأنه أنشأ دارا للتقريب بين السنة والشيعة ووصل الأمر إلى حد ان وجه محب الدين الخطيب للشيخ حسن البنا أنه تقاضى مبالغ مالية من إيران من أجل تخريب الدين، أذهلتني المقالة، فالإخوان يضعون الشيخ الخطيب في مرتبة عالية، ويقولون عنه انه أحد الأساتذة الأخيار الأبرار لحسن البنا، ما هذا؟! هل وصل الينا التاريخ مزورا، أعده الأتباع والمريدون فكتبوا ما يريدون وأهملوا ما لا يريدون!.
ومن خلال تجربتي تعلمت ألا نقرأ التاريخ الذي كتبه الأتباع، فهم لا يرون الحقيقة أبدا، وان ظهرت أمامهم فسرعان ما يخفونها ويطمرونها، وامتد بي البحث عن الشيعة والاخوان في مجالات متفرقة إلى ان تقابلت في معرض الكتاب بأحد الأصدقاء الذين يعملون في مجال النشر هو الأستاذ محمد عبد المنعم صاحب دار نشر سما، ولدهشتي سألني: هل سبق لك ان قرأت عن العلاقة بين الخميني وأمريكا؟ وقبل ان أجيبه كان قد أعطاني كتابا لكاتب أمريكي عن هذه العلاقة، ومن بعدها أخذت مجالات البحث تتسع وتتنوع، واذ عدت في بحثي إلى تجربتي مع الاخوان والوثائق التي حصلت عليها أثناء وجودي بالجماعة وصلت إلى نتائج لم يكن خيالي يتصورها، بدأت بحثي بشكل واذا بي اسير في طريق محفوف بالمفاجآت.
توقفت عن الكتابة وقتا حتى أتم روايتي «زمكان» ثم عدت للبحث مرة أخرى وكانت مسارات البحث قد تحددت، ثمة علاقة وطيدة نشأت بين الاخوان والمخابرات البريطانية من ناحية، وأئمة من الشيعة والمخابرات البريطانية من جهة أخرى، ثم تسلمت المخابرات الأمريكية الملف، ورسمت طريقها، لابد من الاستغلال السياسي للإسلام، فلتنشأ دولة شيعية في إيران، ثم بعد عقود تنشأ دولة اخوانية في مصر، هذه قنابل زمنية يكفي ان تضعها على كرسي الحكم لتتفتت المنطقة على خلفية عقائدية، وسيكون بعدها «الشرق الأوسط الجديد».
وأثناء ندوة موسعة في أبو ظبي تقابلت مع الدكتور سالم حميد وكنت قد انتهيت من الكتاب فأعطيته اياه بوثائقه، وفي مصر كنت قد أعطيت الكتاب لدار نهضة مصر ليصدر كتاب «أئمة الشر» في دبي ومصر في وقت متقارب، وعلى قدر ما وصلت اليه في كتابي هذا من نتائج خطيرة بقدر اهتمامي ان يعرف العالم العربي كله أننا نعيش تحت ظلال أكبر مؤامرة تم تدبيرها للأمة عبر تاريخها كله أئمة الشر فيها هم الاخوان وأئمة من ايران وأمريكا وبريطانيا.